کد مطلب:352959 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:227

عثمان بن عفان یتبع سنة صاحبیه فی مخالفة النصوص
لعل عثمان بن عفان عندما عاهد عبد الرحمن بن عوف غداة بیعته بالخلافة أن یحكم

فیهم بسنة الخلیفتین أبی بكر وعمر، كان یرمی بأنه سیجتهد كما اجتهد ویغیر النصوص القرآنیة والنصوص النبویة كما كانا یفعلان ومن تتبع سیرته أیام خلافته یجده قد ذهب أشواطا بعیدة فی الاجتهاد حتی أنسی الناس اجتهادات صاحبیه أبی بكر وعمر، وأنا لا أرید الإطالة فی هذا الموضوع الذی ملأ كتب التاریخ قدیما وحدیثا وما أحدثه عثمان من أمور غریبة سببت الثورة علیه وأودت بحیاته ولكنی سأقتصر علی بعض الأمثلة الوجیزة كالعادة لیتبین للقارئ ولكل باحث ما أحدث أنصار الاجتهاد فی دین محمد صلی الله علیه وآله وسلم. (أ) أخرج مسلم فی صحیحه فی كتاب صلاة المسافرین عن عائشة قالت: فرض الله الصلاة حین فرضها ركعتین ثم أتمها فی الحضر، فأقرت صلاة السفر علی الفریضة الأولی. كما أخرج مسلم فی صحیحه فی نفس الكتاب المذكور أعلاه، عن یعلی بن أمیة قال: قلت لعمر بن الخطاب، لیس علیكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن یفتنكم الذین كفروا، فقد أمن الناس! فقال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن ذلك، فقال: صدقة تصدق الله بها علیكم، فاقبلوا صدقته.



[ صفحه 232]



كما أخرج مسلم فی صحیحه فی كتاب صلاة المسافرین وقصرها عن ابن عباس، قال: فرض الله الصلاة علی لسان نبیكم صلی الله علیه وآله وسلم فی الحضر أربعا وفی السفر ركعتین وفی الخوف ركعة. كما أخرج مسلم فی صحیحه عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إذا خرج مسیرة ثلاثة أمیال أو ثلاثة فراسخ صلی ركعتین. وعنه أیضا قال: خرجنا مع رسول الله صلی الله علیه وسلم من المدینة إلی مكة فصلی ركعتین ركعتین حتی رجع، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشرا. ومن خلال هذه الأحادیث التی أخرجها مسلم فی صحیحه یتبین لنا بأن الآیة الكریمة التی نزلت بخصوص تقصیر الصلاة فی السفر فهم منها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفسرها قولا وعملا بأنها رخصة تصدق الله بها علی المسلمین ویجب قبولها. وبهذا تبطل دعوی الدوالیبی ومن كان علی شاكلته فی التماس العذر لعمر وتصحیح أخطائه بأنه نظر إلی علة الحكم ولم ینظر إلی ظاهره، لأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علمه بمناسبة نزول آیة قصر الصلاة عندما تعجب عمر، بأن النصوص الثابتة لا تتوقف علی علتها وبذلك تقصر الصلاة فی السفر ولو أمن الناس ولم یخافوا أن یفتنهم الذین كفروا. ولكن عمر له رأی آخر غیر الذی یرتئیه الدوالیبی وعلماء أهل السنة بحسن ظنهم. ولننظر إلی عثمان بن عفان فلا بد له هو الآخر أن یجتهد فی النصوص القرآنیة والنبویة حتی یلحق بركب الخلفاء الراشدین، فما أن استتب له الأمر حتی أتم الصلاة فی السفر وأبدلها بأربع ركعات عوض ركعتین. وكم بقیت أتساءل عن السبب فی تغییر هذه الفریضة والزیادة فیها وما



[ صفحه 233]



هی الدوافع لذلك ولم أر إلا أنه أراد أن یوهم الناس وبالخصوص بنی أمیة بأنه أبر وأتقی لله من محمد وأبی بكر وعمر. فقد أخرج مسلم فی صحیحه فی باب صلاة المسافرین وقصر الصلاة بمنی قال: عن سالم بن عبد الله عن أبیه عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه صلی صلاة المسافر بمنی وغیره ركعتین، وأبو بكر وعمر وعثمان ركعتین صدرا من خلافته ثم أتمها أربعا. كما جاء فی صحیح مسلم أیضا أن الزهری قال قلت لعروة: ما بال عائشة تتم فی السفر؟ قال: إنها تأولت كما تأول عثمان. - وهكذا یصبح دین الله بأحكامه ونصوصه خاضعا لتأول المتأولین وتفسیر المفسرین. (ب) كما أن عثمان اجتهد برأیه لتأیید ما ذهب إلیه عمر من تحریم متعة الحج أیضا كما حرم متعة النساء. فقد أخرج البخاری فی صحیحه من كتاب الحج فی باب التمتع والإقران، عن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلیا رضی الله عنهما وعثمان ینهی عن المتعة وأن یجمع بینهما فلما رأی علی أهل بهما لبیك بعمرة وحجة وقال: ما كنت لأدع سنة النبی صلی الله علیه وآله وسلم لقول أحد. وأخرج مسلم فی صحیحه فی كتاب الحج باب جواز التمتع عن سعید بن المسیب قال: اجتمع علی وعثمان رضی الله عنهما بعسفان فكان عثمان ینهی عن المتعة أو العمرة فقال علی: ما ترید إلی أمر فعله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تنهی عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك، فقال: إنی لا أستطیع أن أدعك فلما رأی علی ذلك أهل بهما جمیعا. نعم هذا هو علی بن أبی طالب سلام الله علیه، فما كان لیدع سنة النبی صلی الله علیه وآله وسلم لقول أحد من الناس والروایة الثانیة تفیدنا بأن شجارا دار بین علی وعثمان وقول عثمان لعلی دعنا منك، فیه ما فیه من



[ صفحه 234]



مخالفته فی كل شئ وعدم اتباعه فیما یرویه عن ابن عمه صلی الله علیه وآله وسلم. كما أن الروایة مبتورة إذا تقول: فقال علی إنی لا أستطیع أن أدعك فلما رأی علی ذلك ما هو الذی رآه علی؟ لا شك أن الخلیفة ورغم تذكیر علی له بالسنة النبویة أصر علی رأیه فی مخالفتها ومنع الناس من التمتع عند ذلك خالفه علی وأهل بهما جمیعا یعنی الحج والعمرة. (ت) كما أن عثمان بن عفان اجتهد أیضا أجزاء الصلاة فكان لا یكبر فی السجود ولا فی الرفع منه. فقد روی الإمام أحمد بن حنبل فی مسنده: 4 / 440 عن عمران بن حصین قال: صلیت خلف علی صلاة ذكرتنی بصلاة صلیتها مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والخلیفتین، قال: فانطلقت فصلیت معه فإذا هو یكبر كلما سجد ورفع رأسه من الركوع فقلت: یا أبا نجید من أول من تركه؟ قال: عثمان رضی الله عنه حین كبر وضعف صوته تركه. نعم هكذا تضیع السنن النبویة وتتبدل بسنن خلفائیة وسنن ملوكیة وسنن صحابیة وسنن أمویة وسنن عباسیة وكلها بدع مبتدعة فی الإسلام، فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فی النار كما قال صاحب الرسالة علیه وآله أفضل الصلاة وأزكی السلام. ولذلك فأنت تری الیوم أشكالا وألوانا فی صلاة المسلمین وتحسبهم جمیعا وقلوبهم شتی لأنهم یصطفون للصلاة صفا واحدا فتری هذا سادل یدیه وذاك قابض وآخر له شكلا خاصا فی القبض فهو یضع یدیه فوق السرة وذاك یضعها قرب قلبه.. واحد جامع بین قدمیه وآخر مفرق بینهما - وكل واحد یعتقد بأنه هو الحق، وإذا ما تكلمت فی ذلك فسیقال لك: یا أخی إنها شكلیات فلا تهتم بها وصل كما ترید فالمهم هو أن تصلی.



[ صفحه 235]



نعم هذا صحیح إلی حد ما فالمهم هی الصلاة ولكن یجب أن تكون صلاة مطابقة لصلاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقد قال: صلوا كما رأیتمونی أصلی، فعلینا أن نجتهد فی البحث عن صلاته صلی الله علیه وآله وسلم لأن الصلاة عمود الدین. (ث عثمان الذی استحت منه ملائكة الرحمن قال البلاذری فی أنساب الأشراف: 5 / 54. لما بلغ عثمان موت أبی ذر بالربذة قال: رحمه الله. فقال عمار بن یاسر: نعم فرحمه الله من كل أنفسنا، فقال عثمان لعمار: یا عاض أیر أبیه أترانی ندمت علی تسییره، وأمر فدفع فی قفاه وقال: إلحق بمكانه. فلما تهیأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلی علی فسألوه أن یكلم عثمان فیه، فقال له علی: یا عثمان إتق الله فإنك سیرت رجلا صالحا من المسلمین فهلك فی تسییرك، ثم أنت الآن ترید أن تنفی نظیره؟ وجری بینهما كلام حتی قال عثمان لعلی: أنت أحق بالنفی منه فقال علی: رم ذلك إن شئت. واجتمع المهاجرون إلی عثمان فقالوا: إن كنت كلما كلمك رجل سیرته ونفیته فإن هذا شئ لا یسوغ. فكف عن عمار. وفی روایة الیعقوبی من تاریخ: 2 / 147 أن عمار بن یاسر صلی علی المقداد ودفنه ولم یؤذن بذلك عثمان بوصیة من المقداد، فاشتد غضب عثمان علی عمار وقال: ویلی علی ابن السوداء أما لقد كنت به علیما. أفیمكن للحی الذی تستحی منه الملائكة أن یتفحش فی الأقوال، ولخیرة المؤمنین؟ ولم یكتف عثمان بشتم عمار وقوله له فحشا من القول: كقوله یا



[ صفحه 236]



عاض أیر أبیه: حتی أمر غلمانه فمسكوا عمارا ومدوا بیدیه ورجلیه ثم ضربه عثمان برجلیه وهی فی الخفین علی مذاكیره فأصابه الفتق، وكان ضعیفا كبیرا فغشی علیه، وهذه قصة معروفة عند المؤرخین [1] عندما كتب جمع من الصحابة كتابا وأمروا عمار

أن یوصله له. وكذلك فعل عثمان مع عبد الله بن مسعود إذا مر به أحد جلاوزته وهو عبد الله بن زمعة فاحتمله ابن زمعة حتی جاء به باب المسجد وضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعة [2] ، لا لشئ إلا أن عبد الله بن مسعود استنكر علی عثمان أن یعطی بنی أمیة الفسقة

أموال المسلمین بغیر حساب. وقامت الثورة علی عثمان وكان ما كان حتی ذبح ومنعوا دفنه ثلاثة أیام وجاء من بنی أمیة أربعة لیصلوا علیه فمنعهم بعض الصحابة من الصلاة علیه فقال أحدهم: ادفنوه فقد صلی الله علیه وملائكته، فقالوا لا والله لا یدفن فی مقابر المسلمین أبدا. فدفنوه فی حش كوكب، كانت الیهود تدفن فیه موتاهم. فلما ملكت بنو أمیة ادخلوا ذلك الحش فی البقیع. هذه نبذة یسیرة من تاریخ الخلفاء الثلاثة أبی بكر وعمر وعثمان وهی وإن كانت یسیرة لأننا رمنا الاختصار وإعطاء بعض الأمثلة فقط، ولكنها كافیة لكشف الستار عن تلكم الفضائل المزعومة والمناقب المخترعة التی لا یعرفها الخلفاء الثلاثة ولا حلموا بها یوما فی حیاتهم. والسؤال الذی یطرح هو: ما یقول أهل السنة والجماعة فی هذه الحقائق؟ والجواب عند أهل الذكر هو: إن كنتم تعرفونها ولا تنكرونها لأن



[ صفحه 237]



صحاحكم أثبتتها علی حقیقتها رغم التعتیم فقد أسقطتم بذلك أسطورة الخلافة الراشدة. وإن كنتم تنكرونها ولا تثقون فی صحتها فقد أسقطتم صحاحكم وكتبكم المعتبرة التی أخرجتها وبذلك أسقطتم كل معتقداتكم.



[ صفحه 239]




[1] البلاذري في أنساب الأشراف: 5 / 49. والاستيعاب: 2 / 422. وابن قتيبة في الإمامة والسياسة: 1 / 29. وابن أبي الحديد في شرح النهج: 1 / 239. العقد الفريد: لابن عبد ربه: 2 / 272.

[2] البلاذري في أنساب الأشراف وكذلك الواقدي. تاريخ اليعقوبي: 2 / 147. وشرح النهج لابن أبي الحديد: 1 / 237.